منذ يومين كتبت هذه التغريدة في تويتر "هناك شعرة بين أن تنعت بـ"المجنون" أو "النابغة" وأعتقد أنها العامل المشترك بينهما أيضاً وهي: "اللامبالاة بما يقوله الناس"، بعدها وصلني رد "ذلك بلا شك صحيح لمن خلط بين تقدير وتقديس الآخرين" لم أرد على تلك التغريدة، واكتفيت بإعادة إرسالها، غير أنني لم أستطع النوم، لأنني شعرت أن الفكرة لم تتمحور بالشكل الكافي، فهي بدأت بــ "المجنون" و "النابغة" ووقفت عند "التقدير" و"التقديس" وبين الفكرتين، يوجد "الآخر"
في تلك اللحظة، كنت أصارع نفسي لأنام، ولكنني كنت أدرك بكل قواي العقلية أنني لن أنام إذا بقيت الأفكار معلقة في عقلي، إلتفت بحثاً عن قلم وورقة، ولم أجد، كان جهاز الآيفون الأقرب، تناولته وفتحت تطبيق مايندنود (لا أعرف ترجمتها) --المهم أنني أنصح به-- والأهم، أنني كتبت فيه التالي:
شرح الفكرة التي تبلورت في ذهني آخر الليل:
يمكننا تقسييم الشخصيات التي تقطن مجتمعاً بشرياً إلى قسمين عامَّين، هما: شخصيات النوادر، وشخصيات الأغلبية العظمى. ويمكننا تصنيف كل قسم إلى صنفين آخرين كالتالي:
شخصيات النوادر: وهي الشخصيات التي تسعى لما تريده هي دون الإلتفات للآخر، وإن أظهروا له التقدير، وهي إما شخصية نابغة في ذاتها ، وتقدِّر الآخر ولكنها لا تقدِّسه. أو هي شخصية مجنونة لا تقدِّر الآخر ولا تقدِّسه.
شخصيات الأغلبية العظمى: وهي الشخصيات التي تحسب ألف حساب للآخر مع تفاوت نسبي في درجات هذه الحسبة، وهي إما شخصية الأعراف، وهم الفئة التي يُقَدِّر ويُقَدِّس في ذات الوقت، فيتقدم في جانب ويتأخر في آخر، وهكذا، فإذا ما قمنا بحساب خطواته الحقيقية، فإنه قد لا يكون قد خطا خطوات حقيقية تجاه أي مكان، أما شخصيات الإمَّعة، فكان الله في عونها، هي شخصيات لا تُقَدِّر ولكنها تُقَدِّس، فلا تحكّم عقلها في أي مسألة، بل تتبع ما تفعله "الأغلبية" سواء أكانوا يتقدمون أو يتأخرون في الحياة!
لحظة، لم أنته! فلا يمكن استيفاء الشرح دون تعريف التقدير، والتقديس، و الآخر.
فلنبدأ بتعريف "الآخر" بما أن هذه الشخصيات التي شرحناها في الأعلى تنتمي لمجتمع ما، فإن الآخر المقصود هنا، ليس شخصية من مجتمع آخر فحسب، ولكنه يمكن أن يكون من مجموع الشخصيات الموجودة في ذات المجتمع، فلديهم احتكاك مباشر بشخصيات النوادر أو الأغلبية العظمى، وقد يكون هذا الاحتكاك بشكل يومي كذلك، ما يهمنا في هذا الآخر أن لديه مجموع أو أحد هذه الأشياء: آراء، وأحكام، ومعلومات، وخبرات. وهذا الآخر يسعى بطبيعةٍ فيه إلى إيصال إحدى هذه الأشياء الأربعة إلى الشخصيات المتواجدة من حوله، من باب النفع، أو السيطرة، أو العجب، أو الحسد.
والآن، ماذا نعني بالتَّقْدير والتَّقديس؟
هي عملية تفاعل الشخصية مع ما يقوله أو يفعله الآخر من تقديم آرائه وأحكامه ومعلوماته وخبراته؛ فالتقدير ببساطة، أن تفكر الشخصية وتُقَدِّر ما قيل لها، و تحترم محاولة الآخر لتقديم شيء إليه وشكره عليها أو مناقشته فيها أو ردها بالحسنى، أما التقديس فهي أخذها على أنها وحيٌ مقدسٌ مُنَزَّهٌ عن الخطأ ، فتؤخذ على أنها واجب ويجب أن تنفذ بحذافيرها.
***
بالمناسبة، لقد ذيلت التغريدة بوسم #رأي_أقرب_للحقيقة لأنني أجزم أن ما فكرت فيه ليس رأياً عبثياً ولكنني إن بحثت في كتب الاجتماع فلابد من أنني سأجد من شرح حقائق توصل إلى ذات النتيجة ولو باستخدام مصطلحات علمية أخرى، فإن كنت تنصح بكتاب في هذا المجال أرجو أن تتفضل بكتابته كتعليق في الأسفل.
احترامي وتقديري.