البروفيسور د. دايا توسسو
باحث في الاتصال العالمي ومؤسس درجة الماجستير في الإعلام العالمي بجامعة ويستمنستر في لندن. جمعني به القدر بعد أن قدمت طلب الاتحاق في الجامعة وقبلت، لم أتمكن من السفر لأسباب أسرية، فطلبت منهم السماح لي بأن أحضر مؤتمرا نظمه معهد بحوث الاتصال والإعلام في ذات الجامعة صيف ٢٠٠٥.ء
كنت مشدوهة بكل كلمة أسمعها وكأنها المرة الأولى التي أرى فيها باحثين يناقشون مواضيع تخصصهم في مؤتمر، أعرف تماما أن هذه الزيارة غيرت حياتي لأنني تيقنت بعدها أن جامعة ويستمنستر هي المكان الأنسب لي!ء
مرت الأيام.. وتمكنت من الوصول إلى لندن للدراسة، الأجواء كانت مستتبة إلى ما بعد شهر من الغربة، أذكر جيدا كيف كان هذا الشهر كفيلا بتغيير أو تثبيت الكثير من الأفكار والمعتقدات والمبادئ في نفسي.. قيمة الأسرة ارتفعت بشكل غير طبيعي بعد أن كنت الفتاة المدللة التي لم تعرف معنا للحرمان يوما.. الحمدلله تمكنت من المقاومة إلى آخر يوم.. بفضل وضوح الهدف والدعم اللامتناهي للأهل والأصدقاء..ء
الآن.. مادور بروفيسور دايا توسسو في حياتي.. ببساطة، الفصل الأول سجلت في مساق الإعلام العالمي الذي كان يطرحه هو.. أتذكر نقاشاته جيدا لأنني كنت أحاول أن أقرأ كتبه قبل الوصول إلى المحاضرة.. ثلاثة أمور تطرق إليها ومن المستحيل أن أنساها..ء
١- مسألة حرب الكويت والعراق.. قال كانت لعبة إعلامية وربما لم تحدث من الأساس.. فقلت له.. غير صحيح.. أذكر جيدا كيف أننا كنا في إجازة في ألمانيا وعدنا للبلاد مباشرة وكيف أن أخي كان في الثانوية وتم استدعاؤه للخدمة في الجيش.. والشعار الذي غطى كل أسماعنا في الإمارات "أنا جاهز إنت جاهز؟" وكيف كانوا يعلموننا كيف نغطي النوافذ بالشرائط اللاصقة كي لا يتسرب الغاز في حالة حدوث هجمة كيماوية --الآن وأنا أكتب أفكر أن هذا لم يكن عمليا أبدا ولكنه حدث وتمت تغطية النوافذ!!-- المهم أنني أذكر كذلك أن أعدادا هائلة من الكويتيين المهاجريين وصلوا إلى البلاد وأن الشيخ زايد قد أمر أن من كان له بيتين -في العين وأبوظبي- أن يقدم أحدهما لأسرة كويتية.. قلت له هذا كله أذكره بالرغم من صغري!! فقال اللعبة الإعلامية التي أتحدث عنها كانت في كيفية كسب الأصوات الأمريكية عن طريق حملة إعلامية غير طبيعية.. مفادها أن يتم تقديم شهادة فتاة تبكي بحرقة للمطالبة بالدعم.. ادعت أن العراقيين كانوا يدخلون مستشفيات الولادة ويرمون الأطفال الرضع من الحضانات على الأرض ويتركونهم حتى الموت.. قلت له لا أعرف عن هذا.. فقال هذا ما يجب عليكم جميعا دراسته هنا، دور الإعلام في حرب الخدعة، ثم عرض علينا فيديو كامل يحلل المسأول.. تضمن شهادة نيرة وكانت المرة الأولى التي أشاهدها فيه.. هناك العديد من الدراسات الأكاديمية وبعثات للأمم المتحدة للتأكد من هذه الشهادة وكانت النتيجة بأن مأساة "حضانات المواليد" لم تحدث.. لا أعرف كيف يرى الكويتيون هذه المسألة.. المهم أن هذا النقاش ترك الكثير من الأسئلة والأفكار العميقة في نفسي.. ء
٢- المسألة الثانية.. أنه دافع وبشدة في إحدى المحاضرات عن الظلم الذي يتعرض إليه المسلمين بسبب مسألة الحرب على الإرهاب.. فقلت في نفسي "لا أعتقد أنه مسلم.. صحيح سمته سمح.. ولكن .." المهم أنه قال في تلك المحاضرة.. الحملة الإعلامية ضد المسلمين لا تحتمل.. أنا هندي.. تعرضت لمواقف صعبة بسبب اعتقاد البعض أنني مسلم.. لماذا يعاني المسلمين لاعتناقهم ديانة آمنوا بها؟؟ هناك أفراد من ديانات أخرى يمارسون الإرهاب.. لا يتطرق أي أحد إلى ماهية ديانتهم بل ينظر إليهم كأفراد.. استوقفني كثيرا كيف أنه ليس من أهل الكتاب.. ومع ذلك فإنه يقول كلمة الحق بكل جرأة.. إن قدر الحق أعظم من أن نحصره على عرق من البشر، أو ديانة من الديانات، الحق عظيم.. لا يقف معه غير العظماء بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم وأعمارهم ودياناتهم!!!ء
٣- المسألة الثالثة -وهي مسألة أكاديمية- تحدث عنها ولا تزال إلى اليوم تدور في رأسي، هي الحاجة إلى فصل دراسات علوم الاتصال والإعلام عن نمط التفكير الغربي -أي الأوروبي الأميركي- والمطالبة من الدول الأفريقية، الآسيوية، العربية والجنوب أمريكية بدراسة واقع مجتمعاتهم والبحث في وسائل الإعلام المحلية وإيجاد نظريات جديدة تناسب هذه البلاد.. بدايات هذا النداء كان في الكتاب الذي حرره هو "حركة* وسائل الإعلام: التدفق العالمي ومناهضة التدفق:ء
أتبعه بتحرير كتاب آخر "تدويل دراسة وسائل الإعلام" كتب في مقدمته أهمية رفع مستوى الدراسات العالمية لتغطي نظريات ومفاهيم المجتمعات الغير غربية، ويمكن ملاحظة ذلك من الخارطة الجغرافية المنتقاة لغلاف الكتاب:ء
على حد علمي هناك كتابان أكاديميان تعمقوا في الموضوع ذاته.. لا أعرف إذا كتب شيء آخر عنه.. يمكنكم النظر فيهما:ء
في الفصل الدراسي الثاني للسنة الأكاديمية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ لم أسجل في أي من مساقات البروفيسور دايا، ولحسن الحظ أن المرشد الأكاديمي أبلغني بأن المرشد الذي تم تعيينه لمتابعة بحث التخرج معي كان البروفيسور دايا بحكم أن بحثي كان يتضمن في مجمله الاتصال الدولي عبر القنوات الثقافية.. أذكر في إحدى جلسات مناقشة البحث قال لي: "اليازية، قلت في بداية السنة عندما عرفتي بنفسك أنك بدأت دراسة الماجستير لأنك ترغبين في إتمام دراساتك العليا بالحصول على شهادة الدكتوراه" أشرت بإيماءة إيجاب خفيفة مع ابتسامة كادت أن تخفيها أيام الغربة، فتابع" ماذا فعلت لذلك" قلت: "صحيح أنني أرغب بذلك.. ولكنني لا أستطيع أن أكمل.. أحتاج لأن أعود إلى البلاد في أسرع وقت ولا أرغب في أن أفكر ولو لثانية بأن أستكمل دراستي مباشرة بعد الانتهاء" ابتسم وقال ببساطة: "لا تكملي العام القادم.. أقترح أن تقدمي طلبات الاتحاق بالجامعات.. وتحصلي على القبول.. ثم انظري إلى نفسك.. وتفاهمي مع المرشد الذي سيقبل ببحثك.. لأنك إضافة لهذا التخصص.." وحقيقة.. لا أنكر أنه لو لم يقل ماقال.. لما خطوت نحو استكمال دراساتي العليا.. فهذا أمر آخر أثر في مجرى حياتي..ء
في يوم ٢٩ فبراير ٢٠١٢، وأنا في مقابلة مع المرشد الأكاديمي لرسالة الدكتوراه أبلغتني بأن من سيمتحنني في المناقشة النهائية للرسالة هو البروفيسور د. دايا توسسو.. شعرت بسعادة لا يمكن أن أصفها بأي شكل من الأشكال وكان ذلك دافعا آخر لإنجاز الرسالة.. وصلتني دعوة بعدها بفترة من المرشدة لحضور محاضرة للبروفيسور د. دايا توسسو.. لم أهتم بعنوان المحاضرة بقدر اهتمامي بماقبل عنوان المحاضرةء: ء
Professorial Inaugural Lecture
أقرب ترجمة لها هي: افتتاحية درجة البروفيسورية*، وهي عبارة عن محاضرة أو كلمة يلقيها البروفيسور الأكاديمي كاعتراف أكاديمي رسمي من قبل الجامعة والمجتمع الأكاديمي عما قدمه هذا البروفيسور للمعرفة في مجال تخصصه.. كانت سعادتي غامرة.. لأن هذه المحاضرة رسمت لي هدفا آخر في حياتي.. فيوما ما .. سأقدم هذه المحاضرة.. لا أزال أتسائل إن كان موضوع أبحاثي سيبقى التواصل الثقافي الدولي أم أنني سأبحث في موضوع أكثر تخصصا.. لا أعرف.. ولن أطيل التفكير به الآن.. لأن علي كخطوة أولى أن أسلم رسالتي أولا ^.^ ء
البروفيسور د. دايا توسسو خلال إلقائه للمحاضرة يوم ٢١ مارس ٢٠١٢
تحدث البروفيسور عن صعود الهند على ساحة الإعلام العالمي.. وتحدث عن عوامل هذا الصعود في مقابل معوقاته --لا أرغب في اختصارها في هذه التدوينة لأنني إذا فصلت فإنها ستطول!!-- المهم بالنسبة لي أنه عرض بحثه بطريقة موضوعية تحدث عن الإيجابيات والسلبيات على حد السواء لأن هدفه الحقيقي هو الدراسة النقدية لتقديم مقترحات لا مجال للمجاملات فيها.. ء
عرض هنا مساحة الهند والكثافة السكانية الخيالية فيها وتعدد اللغات والديانات فيها
على الرغم من سلبية أن هناك أعداد مهولة من الأميين في الهند إلا أن الفائدة التي جنتها ولاتنزال تجنيها الهند من الهنود المغتربين في العالم أدت إلى رفع المستوى العام في البلاد من جميع النواحي، تحدث بخصوصية أكبر عن الدور الثقافي الذي لعبه المغتربون بتمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم وطعامهم وكيف أن كل فرد هندي مغترب عمل بمثابة ممثل للهند في الخارج.. ثم أعاد وأكد على هذا الدور الفعال لكل فرد على جميع المستويات.. ء
خرجت من المحاضرة.. وفي نفسي أمرين.. الأول الجو الرائع الذي عشته وأنا أسمع الجميع يهنئ البروفيسور على تقديمه لهذه المحاضرة الشرفية بعد ثماني سنوات فقط من حياته الأكاديمية.. والأمر الثاني حسرة غمرتني بعد أن قارنت بين حال المغترب العربي وبين المغترب الهندي.. حتى الهنود عرفوا كيف يستفيدوا من اغترابهم ويقدموا لبلادهم وتتقبل بلادهم بدورها هذا الدور وتدعمه.. بالمقابل من يتابع ويسمع ويقرأ الأخبار اليومية يسمع كثيرا استخدام الإعلام العربي للمصطلح المبهم "الأجندات الخارجية" وكيف أن كل الثورات وكل ما يحدث هو نتيجة الرغبة في تطبيق الأجندات الخارجية.. وأكبر مثال سوريا.. وكيف أن الأجندات الخارجية والأيدي الخفية هي من يتحرك الثوار لأجلها.. لحظة.. كم عدد المغتربين السوريين؟؟ كيف تمت الاستفادة منهم لبناء سوريا؟؟ الحقيقة أنه تم نبذهم ثم إهمالهم.. وبعد معاناتهم للذل اغتربوا وتجنسوا وكونوا أسرا في تلك الدول ومن ثم أنجز أبناؤهم تحت رايات الغرب دون ذكر أصلهم.. ء
*أرحب باقتراحاتكم لترجمة أفضل*
No comments:
Post a Comment