Thursday, 12 April 2012

درس تعلمته في شرطة العاصمة

إجراء متعارف عليه في لندن أن يذهب كل طالب أو موظف غير بريطاني لتسجيل شهادة إقامته خلال أول أسبوع من دخوله الحدود البريطانية لدى شرطة العاصمة.. وفي حالة تغيير السكن.. يتوجب على الفرد التوجه إلى أي فرع من أفرع الشرطة لتجديد العنوان خلال أول سبعة أيام من الانتقال.. و

لم أجد وقتا للدراسة أو التدوين في الأيام الخمس الماضية.. بسبب عملية الانتقال إلى سكن جديد.. ومساعدة إحدى الطالبات الإماراتيات لإيجاد مكان يناسبها.. تخلتف أسباب الانتقال من فرد لآخر.. فمن المتوقع أن يعود السبب إلى ارتفاع الأسعار، أو إلى وجود شاغر سكن أقرب إلى مقر الدراسة، أو اكتشاف أن الجيران مزعجين أو أن المنطقة غير آمنة إلى غيره من الأسباب.. ولكن الواقع الذي لايختلف عليه اثنين.. من أن عملية الانتقال وقبلها عملية البحث عن سكن جديد تعتبر عمليتين متعبتين لأبعد الحدود.. قد تتسبب في عدم الاستقرار النفسي والاكتئاب كذلك.. فاحمدوا الله على ما من عليكم من نعمة السكن والمستقر!!و

والآن.. الموقف الذي علمني درسا في "مركز الشرطة!".. ذ

اتجهت إلى مركز الشرطة يوم ١١ إبريل ٢٠١٢ بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا.. فقابلت شرطيين عند باب المدخل الخاص بالشرطة.. وآخر يبدو أنه شرطي برداء مدني.. دخلت المركز.. ولكن أحدا لم يتجاوب لندائي.. فخرجت لأتأكد من المجموعة عند الباب الآخر.. فطلب مني الرجل ذي الرداء المدني أن أنتظر قليلا.. فقلت في نفسي.. يبدو أنه وقت تغيير "الزام"*.. عدت إلى الداخل.. وانتظرت هناك.. مرت ثلاث دقائق تقريبا كنت أتأمل خلالها المكان.. وأكثر ما شدني فيه شاشات المراقبة لأنها لم تكن الشاشة المعتادة "أبيض وأسود" كما أنها لم تكن تظهر الألوان الحقيقية.. بل كانت شاشة "فوشي وأسود!" قطع حبل أفكاري ظل شخص يقف أمام الباب.. يبدو عليه التردد.. فلم يدخل.. ولكنه حملق في الباب "الزجاجي".. فلوحت بيدي ليدخل.. فدخل مبتهجا بعد أن زالت عنه علالمات التردد.. فقال "ظننت أن المركز مغلق اليوم**.. وكنت أنظر في الإعلانات المعلقة لعلي أجد ساعات العمل"..أجبته ببتسامة "الحقيقة أنني فعلت الشيء ذاته واعتقدت أن الباب مغلق.." ثم عدت إلى تأمل المكان.. وكنت أشعر بأن الثانية بألف سنة بعد دخول هذا الرجل.. فحاولت الانشغال بتجهيز أوراقي الثبوتية والبحث عن أي شيء داخل حقيبتي.. نظرت إلى غلاف الرواية وهي داخل الحقيبة.. فتجاهلتها.. أغلقت الحقيبة ونظرت في جواز السفر.. قلبت صفحاته.. تأملت صورتي وللمرأة الأولى أنتبه إلى وجود صقرين وليس صقرا*** واحدا على صورتي الشخصية.. أعجبني الشكل.. لأنني رأيتهما صقرين يطيران معا!! تذكرت بعدها أنني أنتظر فتململت.. أعدت النظر في ساعة الجدار الإلكترونية المعلقة بالقرب من الشاشات الفوشية.. كانت أرقام الساعة تقول لي أنني قضيت أكثر من عشر دقائق.. نهضت من مكاني لأنتظر أمام نافذة الشرطي وأمامي كرسي لا حياة فيه.. حاولت أن أسمعهم أن هناك من ينتظر ولكن لا حياة لمن تنادي.. تبادر إلى أسماعنا صوت قرقعة.. فقال الرجل "أحدهم قادم".. دخلت شرطية.. واضح أنها من أصل إفريقي.. لم تنظر إلي وقالت انتظري لحظة.. عدت إلى كرسي الانتظار.. ولم ألتفت لما كان يفعله الرجل.. في الحقيقة.. الآن فقط اكتشفت أنني لا أذكر أنني التفت إليه بعد دخوله المكان.. حتى عندما علق على صوت القرقعة كانت أنظارنا معلقة على مدخل الممر الداخلي الذي يفصلنا عن الصوت.. فجأة.. فتح الباب الذي دخلنا نحن منه.. ساحبا أنظارنا إليه.. كانت فتاة.. دخلت دون أن تحاول أن تبحث في ملصقات الباب عن جملة لتقرأها.. على عكس ما فعلنا نحن.. ومرت علينا كأننا غير موجودين متجهة إلى نافذة الشرطية.. "لوسمحتي..." لم تلتفت الشرطية كانت مشغولة بترتيب ملفتها -وربما أفكارها- لتبدأ عملها فكانت إجابتها "يمكنك الجلوس والانتظار" لم تجلس الفتاة معنا.. بل جلست في أبعد كرسي عنا.. و

فرغت الشرطية من ترتيب ملفاتها -وأفكارها ونفسيتها- ثم قالت "تفضل.. من جاء أولا.. لمحت إلتفاتة المنتظرين إلي وأنا أنهض إليها" فقلت مباشرة "مرحبا.. جئت لأجدد عنواني" قدمت لي الأوراق لأملأها.. واتجهت نحو النافذة الأخرى.. "التالي" نهض الرجل.. لم انتبه لما قاله في البداية لأن أفكاري شغلتني بأن الشرطية تبدو نشيطة على عكس الانطباع الأول.. ثم شغلت بالبحث عن عنواني الجديد في هاتفي.. بدا أن الرجل قد أضاع جواز سفره وهو بحاجة إلى جواز جديد.. أو شيء من هذا.. سمعتها وهي تقول له.. "عليك الذهاب إليهم أولا والإبلاغ عن فقدان الجواز" --لا أعرف من هم -- خرج الرجل.. نظرت إلي.. ابتسمت بإيماءة خفيفة كإشارة إلى انتهائي.. عادت إلى نافذتي.. نظرت في أوراقي وسألتني متى انتقلت.. فأجبت "٩ إبريل" قالت بنفس النبرة الأولى وهي لاتزال تنظر في الأوراق.. "عليك إبلاغنا بالانتقال خلال الأسبوع الأول" تفاجأت.. وقلت لها.. "نعم، أعرف ذلك.. انتقلت يوم ٩ إبريل يعني منذ يومين فقط" رفعت رأسها تأملت ملامحي وقالت.. "من واجبنا أن نعيد على كل مراجع هذه الجملة.. عزيزتي أن لا أصدر حكما عليك.. أن أقوم بواجبي.." ثم عاودت النظر في الأوراق وتناولت الختم الرسمي لإنهاء المعاملة دون أن تعلم بأنها قد لقنتني درسا في أقل من ٥ ثوان!! "تفضلي" شدني صوتها من أفكاري.. فقلت لها "شكرا جزيلا.. شكرا" تناولت أوراقي.. وعدت إلى كرسي الانتظار مرة أخرى.. هذه المرة.. لألملم أفكاري وأنا أدخل المستندات إلى الحقيبة.. كما يقولون.. كانت عملية "لودينج" تحدث في عقلي.. وقلت في نفسي.. "قالت لي السيدة أنا لا أصدر حكما عليك.. أن أقوم بواجبي" فسمعت صوتها يخترق أذني مرة أخرى وهي تسأل الفتاة "هل رأيت من سرق جوازك؟" فأجابت الفتاة "كلا،، كان في الحقيبة.. وفقدت الحقيبة.." فقالت لها.. "إذا عليك أن تقولي فقدت جوازي.. بدلا من سرق جوازي.." فكان تعليقها تدعيما لما طرأ في عقلي في المرة الأولى.. حملت أفكاري ونفسي وحقيبتي وخرجت من المركز.. و

خلال دقيقة واحدة.. ذكرتني هذه السيدة من خلال إجابتيها علي وعلى الفتاة.. أن على الإنسان تقديم حسن الظن قبل أي شيء آخر.. كما أننا لم نخلق لإصدار أحكام على الآخرين.. خرجت من عندها وقدماي تسوقاني إلى حيث كنت أنوي الذهاب مسبقا دون تفكير.. لأنني كنت أردد "أنا لا أصدر حكما عليك.. أنا أقوم بواجبي.." وصلت إلى موقف الحافلة.. لأذهب إلى مكتبة ستغلق أبوابها -أو بالأحرى أغلقت أبوابها اليوم!- وصلت حافلة.. أعرف أنها لن تمر على المكتبة.. ولكنني استقليتها حفاظا على الوقت.. كما أن عقلي كان لايزال مشغولا بما قالته الشرطية.. جلست.. ثم انتبهت.. الحافلة لم تتحرك لأن سيدة عجوزا -محجبة- كانت لا تزال تتحدث إلى السائق.. التفت لأتأكد إن كانت الحافلة الأخرى التي تمر على المكتبة قد وصلت.. ثم نظرت إلى ساعة الهاتف وكانت تشير إلى الواحدة إلا ربع.. لم أشأ أن أتأخر أكثر.. فقلت في نفسي "مابال هذه السيدة إما أن تصعد أو تنزل.." فرأيت كيسا عليه شعار مطار أبوظبي القديم.. فقلت "لا أتخيل أنها تستجدي سائق الحافلة!" فأغلقت أبواب الحافلة.. عندما استدارت العجوز.. رأيت في وجها جداتنا.. استحييت من نفسي لأنني لم أصبر لثوان فبدأت بإصدار أحكامي عليها.. فجلست ألوم نفسي وأقارن نفسي بالشرطية التي كانت تعمل في هدوء وبنبرة واحدة قد يخطئها البعض فيعتقد أنها تسأل أكثر من أنها تعلق.. و

تداركت نفسي بسرعة لأنني سمعت تنبيها بأن الحافلة ستغير مسارها الآن .. ضغطت على زر تنبيه السائق فأعاد فتح الباب.. خرجت انظر في اتجاه الحافلات القادمة وأنا أقول "الحمدلله أنني انتبهت لما يقال!!" لم يكن هناك أي نقطة حمراء في نهاية الطريق.. لتبشر المنتظرين بوصول حافلة ما.. فقررت الجلوس للقراءة.. التفت.. فإذا بالعجوز تمسك بعمود مخطط سير الحافلات بقوة وكأنه وتد يشد خيمة كي لاتقع.. ترص عينها بشدة في انتظار حافلة.. أطلت النظر إليها.. ولا عجب أنها لم تنتبه إلي.. لأن حواسها كانت معلقة بحافلة ما.. كانت ترتدي حجابا أسود.. وعباءة سوداء أصغر عن مقاسها يظهر كم قميصها الأبيض جلية عند رسغها الذي تلفه إسوارتين مذهبتين.. كما أن سروالها الأبيض كان يستر كعبيها.. الحذاء.. مفتوح.. لايناسب الجو اللندني المتقلب.. رفعت عيني لأتأمل وجها الذي حفرت السنين عليه الكثير من التجاعيد.. قلت في نفسي أود مساعدتها.. ولكنني لاأستطيع.. كان رجل قد استقل الحافلة السابقة معنا نزل معنا وهو الآن ينظر إلينا.. أنا والعجوز.. لم أعره اهتماما.. وعدت لمحاورة نفسي.. وقلت لماذا لا أستطيع فعل شيء؟؟ هل هذا ما كنت أسميه دائما -فوبيا المسلمين من المسلمين؟؟****- تذكرت الشرطية "أنا لا أصدر حكما عليك.. أنا أقوم بواجبي.." فخطوت نحو العجوز ، ولايزال الرجل يراقب، وقلت لها.. "السلام عليك.. أي باص تنتظرين؟" سألتني ماذا قلت والتفت فرأيت وجهها كاملا.. كانت شفتاها ترتعشان وتكاد التجاعيد تمحي ما تبقى من عينيها.. لا أستطيع أن أتذكر إن كنت قد رأيت أنفها.. سمعت شيئا من صوتها يقول "إثنان.صفر.خمسة" فهمت أنه رقم الحافلة التي تنتظرها.. طلبت منها الجلوس ووعدتها بأن أخبرها حال وصول حافلتها.. قلت لها "لا تقلقي أنا أنتظر الحافلة ذاتها" --في الحقيقة كل الحافلات التي تمر على ذلك الموقف تتجه إلى المكتبة ماعدا التي نزلنا منها.. و

وقفت أرقب كل طيف أحمر يظهر في الأفق.. ست أو سبع حافلات مرت وتكررت أرقامها إلا حافلة "إثنان.صفر.خمسة" لوهلة كدت أن أبكي علي نفسي.. العيش في الغربة يسلخ الإنسان من جلدته.. فلا يقوم بما يعتقد أنه واجبه لأن ثقافة المجتمع مختلفة.. خشيت لوهلة أن أفقد قيمي وثقافتي وأخلاقي التي نشأت عليها في البلاد لأنني اعتدت على ثقافة المجتمع اللندني التي تقول -عليك بنفسك!- حاولت أن أنزع نفسي من هذه الأفكار.. فسمحت لبصري أن يجول في أرجاء المكان.. فكانت النتيجة هذه الصورة.. ب

بناء النفس البشرية تحتاج إلى مراجعة باستمرار لتنمو بشكل أكثر جمالا يعكس صفاء روح صاحبها

------

الزام: كلمة تستخدم في اللهجة المحلية الإماراتية وتعني وقت المناوبة*
صادف ذلك اليوم إجازة الإيستر**
الصقر هو الشعار الرسمي لدولة الإمارات العربية المتحدة، أضيفت إليه خمسة نجمات منذ فترة قريبة***
فوبيا المسلمين من المسلمين موضوع قد وضعت فكرته لتدوينة لم أكتبها بعد لملاحظاتي اليومية عن تعاملات المسلمين مع المسلمين في لندن****

2 comments:

  1. السلام عليكم

    كلماتك عميقة ..شئ رائع لما ننظر لمواقفنا في الحياة كدروس

    شكرا لك
    : )

    ReplyDelete
  2. مشكورة ^.^

    أنا متأكدة أنك تمتلكين قلم كاتب! إذا كانت لديك مدونة.. فاتركي لي عنوانها

    ReplyDelete