Monday, 20 February 2012

علبة سردين

لا يحتاج المرء للعيش في بريطانيا ليكتشف أنهم يتعاملون بالكتابة والأرقام في كل شيء.. حيثما التفت.. لا بد أن عينك ستقع على نص.. أو أرقام.. ربما جملة دعائية على التاكسي.. أو أرقام تدل على الوقت -- ولن أقول ساعة.. بل أرقام.. لأن الساعات هنا مرقمة وبلا عقارب!! ستجد هذا في جداول حركة الباصات والقيطارات.. في الحقيقة.. عندما تجلس لتنتظر دورك في البنك، المشفى أو حتى مكتب المهاجرين -الذي يتوجب على كل طالب التسجيل فيه حال وصوله- تحصل على ورقه مرقمة.. لماذا أقدم هذه التفاصيل كلها؟ لسبب بسيط.. الإنجليز ينظمون حياتهم حول عقارب الساعة.. فهم يدورون مع عقارب الساعة.. يعيشون تسارع طوال الأسبوع في سباق مع الزمن.. لينتهي بهم الحال في آخره.. ليقضوه إما في غسيل ثيابهم، تنظيف بيتهم، أو استمتاعهم -الأسبوعي-!

بنيت هذه الملاحظة مقارنة بواقعنا الشرقي.. أنا لا أبالغ عندما أقول بأن صوت الأذان ينظم وقتنا بشكل لا ندركه.. فنحن نستيقظ لصلاة الفجر.. وشخصيا لا أفضل الخروج بعد صلاة العشاء.. ويوم الجمعة.. نعرف أن صلاة الجمعة يترتب عليها زيارة الرجال على الغداء.. مما يتطلب منا تجهيز كل شيء قبل نهاية الصلاة.. كما أننا عندما ندعو أحدا للزيارة ونحدد له الوقت.. نقول "بعد المغرب" أو "صلوا الظهر عندنا" ولاندرك أن هذا يعكس الثقافة المسموعة عندنا.. نحن نستمع أكثر.. الإنجليز يقرؤون أكثر.. ولن أٍقوم بعملية الترجيح الأزلية المتخلفة التي يقوم بها عوام الناس للادعاء بأن الثقافة المقروءة متحظرة مقارنة بالمسموعة.. لأنني ببساطة أرى أنها تعكس أمرين: قدرة الإنسان ذا الثقافة المسموعة لتبني الثقافة المقروؤة أعلا وبالتالي ترتفع رفاهة الحس عنده أسرع فيتأقلم أسرع -إذا ركز على ذلك- ، والنقطة الثانية هي وجهة نظر من الناحية الاجتماعية والتي تعكس أن مجتمعات الثقافة المقروءة قد تؤدي إلى العزلة.. بينما المسموعة تعكس ارتباطا بالأشخاص من حولك.. وبالتالي ترابطا مجتمعيا مفقودا عند أغلب الإنجليز بداعي "ضيق الوقت" والحاجة إلى استغلاله لكسب الرزق..

والآن.. مال للوقت والثقافة وعلبة السردين هذه؟؟؟؟

السبب بسيط.. صحي وشخصي!! كوني طالبة دكتوراه.. يعني أنني "أمتلك" كل الوقت.. لا ارتباطات بحصص ودروس في الجامعة.. وبالتالي.. أنا مسؤولة عن كل ثانية تمر.. أدرك بأنني أستطيع المقاومة أسبوع أو أسبوعين لاستغلال وقتي بشكل مثمر ولكن ليس أكثر من ذلك.. فكان لابد لي من أن أجد ما "يربط" وقتي وأرتب جدولي اليومي على أساسه.. وكوني لا أسمع الآذان.. وأخشى دائما من أن وقت القراءة يأخذ أكثر مما يجب من وقت الكتابة.. فإنني قبل وصولي إلى لندن.. تواصلت مع عدد من الأندية الرياضية النسائية.. وسجلت في أحدها.. ومنذ اليوم الأول.. وأنا أذهب إلى هناك ٣ مرات في الأسبوع.. الهدف الصحي والتنظيمي أمامي.. مما يجعلني أكثر تركيزا على الإنجاز.. وفي اليوم الأول.. سألتهم عن التغذية.. وطلبت مني أن أكثر من الأطعمة التي يرتفع فيها "أوميغا ٣" في مقابل خفض -أو بالأحرى التخلي عن الأرز والخبز والمعكرونة-ابتسمت وقلت في نفسي لا بأس.. فأنا أعيش على الأسماك منذ ولادتي ^.^

الطاااااااامة!!! أنني عندما ذهبت لأشتري "المعلب" من الأسماك -> أكررررررهه!! ودائما ما أشعر بالاشمئزاز من أي شيء معلب!! وترددت قبل شرائه.. فأخذت أصصصصصصصصغر علبة.. وكثرت من الخضروات.. عدت للمنزل.. وكانت اللحظة الحاسمة!!! مواجهة علبة السردين!!! فتحتها.. وأول انطباع كان

"أوه!!!!! هذا سمج عوم!!!!!"

ضحكت بهستيرية.. فأرسلت لابنة أختي أتأكد.. أختي الكبرى كانت دائما تحاول إقناعي بأكل "صالونة العومة" وإجابتي الأزلية "كيييييف آكل سمجة بعظامها؟!؟!؟!" ونتجادل على الغداء في موضوع أهمية هذه العظام للسيدات تحديدا!! ولم أكن أتخيل أنني سأجبر عليها اليوم.. هنا في لندن.. ترددت مرة أخرى وتناسيت الأمر..
بمجرد أن وضعتها.. كانت المفاجأة الثانية "مسسسسسستحيييييييييييييل!!! هالعوم كله حبووووووووول!!!" كانت كل سمكة مملوءة ببيض السمك!!

ارتسمت على وجهي ابتسامة عريييييييضة ختمتها ب"صدق ثرا العوم وايد زين!" مسكينة أختي.. لوتعرف أنني تركت سمك السردين الطازج وذهبت للمعلب.. فستقتلني!!!

الشاهد من الموضوع كله هو:
لو لم أحرص على الإنجاز والوقت.. لما حرصت على الرياضة وصحتي.. ولم أكتشف أن السر يكمن في علبة السردين!!!

شكرا جون ويست على: قوطي العوم

^.^

No comments:

Post a Comment