Monday, 21 April 2014

#رأي_أقرب_للحقيقة



منذ يومين كتبت هذه التغريدة في تويتر "هناك شعرة بين أن تنعت بـ"المجنون" أو "النابغة" وأعتقد أنها العامل المشترك بينهما أيضاً وهي: "اللامبالاة بما يقوله الناس"، بعدها وصلني رد "ذلك بلا شك صحيح لمن خلط بين تقدير وتقديس الآخرين" لم أرد على تلك التغريدة، واكتفيت بإعادة إرسالها، غير أنني لم أستطع النوم، لأنني شعرت أن الفكرة لم تتمحور بالشكل الكافي، فهي بدأت بــ "المجنون" و "النابغة" ووقفت عند "التقدير" و"التقديس" وبين الفكرتين، يوجد "الآخر"

في تلك اللحظة، كنت أصارع نفسي لأنام، ولكنني كنت أدرك بكل قواي العقلية أنني لن أنام إذا بقيت الأفكار معلقة في عقلي، إلتفت بحثاً عن قلم وورقة، ولم أجد، كان جهاز الآيفون الأقرب، تناولته وفتحت تطبيق مايندنود (لا أعرف ترجمتها)  --المهم أنني أنصح به-- والأهم، أنني كتبت فيه التالي:


شرح  الفكرة التي تبلورت في ذهني آخر الليل:

يمكننا تقسييم الشخصيات التي تقطن مجتمعاً بشرياً إلى قسمين عامَّين، هما: شخصيات النوادر، وشخصيات الأغلبية العظمى. ويمكننا تصنيف كل قسم إلى صنفين آخرين كالتالي:

شخصيات النوادر: وهي الشخصيات التي تسعى لما تريده هي دون الإلتفات للآخر، وإن أظهروا له التقدير، وهي إما شخصية نابغة في ذاتها ، وتقدِّر الآخر ولكنها لا تقدِّسه. أو هي شخصية مجنونة لا تقدِّر الآخر ولا تقدِّسه.

شخصيات الأغلبية العظمى: وهي الشخصيات التي تحسب ألف حساب للآخر مع تفاوت نسبي في درجات هذه الحسبة، وهي إما شخصية الأعراف، وهم الفئة التي يُقَدِّر ويُقَدِّس في ذات الوقت، فيتقدم في جانب ويتأخر في آخر، وهكذا، فإذا ما قمنا بحساب خطواته الحقيقية، فإنه قد لا يكون قد خطا خطوات حقيقية تجاه أي مكان، أما شخصيات الإمَّعة، فكان الله في عونها، هي شخصيات لا تُقَدِّر ولكنها تُقَدِّس، فلا تحكّم عقلها في أي مسألة، بل تتبع ما تفعله "الأغلبية" سواء أكانوا يتقدمون أو يتأخرون في الحياة!

لحظة، لم أنته! فلا يمكن استيفاء الشرح دون تعريف التقدير، والتقديس، و الآخر.

فلنبدأ بتعريف "الآخر" بما أن هذه الشخصيات التي شرحناها في الأعلى تنتمي لمجتمع ما، فإن الآخر المقصود هنا، ليس شخصية من مجتمع آخر فحسب، ولكنه يمكن أن يكون من مجموع الشخصيات الموجودة في ذات المجتمع، فلديهم احتكاك مباشر بشخصيات النوادر أو الأغلبية العظمى، وقد يكون هذا الاحتكاك بشكل يومي كذلك، ما يهمنا في هذا الآخر أن لديه مجموع أو أحد هذه الأشياء: آراء، وأحكام، ومعلومات، وخبرات. وهذا الآخر يسعى بطبيعةٍ فيه إلى إيصال إحدى هذه الأشياء الأربعة إلى الشخصيات المتواجدة من حوله، من باب النفع، أو السيطرة، أو العجب، أو الحسد.

والآن، ماذا نعني بالتَّقْدير والتَّقديس؟
هي عملية تفاعل الشخصية مع ما يقوله أو يفعله الآخر من تقديم آرائه وأحكامه ومعلوماته وخبراته؛ فالتقدير ببساطة، أن تفكر الشخصية وتُقَدِّر ما قيل لها، و تحترم محاولة الآخر لتقديم شيء إليه وشكره عليها أو مناقشته فيها أو ردها بالحسنى، أما التقديس فهي أخذها على أنها وحيٌ مقدسٌ مُنَزَّهٌ عن الخطأ ، فتؤخذ على أنها واجب ويجب أن تنفذ بحذافيرها.

***

بالمناسبة، لقد ذيلت التغريدة بوسم #رأي_أقرب_للحقيقة لأنني أجزم أن ما فكرت فيه ليس رأياً عبثياً ولكنني إن بحثت في كتب الاجتماع فلابد من أنني سأجد من شرح حقائق توصل إلى ذات النتيجة ولو باستخدام مصطلحات علمية أخرى، فإن كنت تنصح بكتاب في هذا المجال أرجو أن تتفضل بكتابته كتعليق في الأسفل. 

احترامي وتقديري.

4 comments:

  1. عقل الإنسان معجزة ربانية من التركيب والتعقيد في ذات الوقت. وتبسيط ذلك التعقيد مهارة بلا شك، إن لم يكن فنا من الفنون، وأعتقد بأنك بلغت مبلغا راق في هذا المسار.. فهنيئا لك ولمريديك..

    من تحديات العقل الإنساني التعمق في التفكر والتدبر الكوني التسليم بما قطع به الوحي الغيبي، وهنا يسقط كثير من النوابغ في وحل الإلحاد أو فخ الجنون حين لا يميزون بين تقدير العقل الإنساني وتقديس الوحي الرباني!

    ولقد أعجبني ربطك بين مصطلح الأعراف وبين الذي يتقدم ويتأخر في تقديره وتقديسه للأشخاص والأشياء والأفكار وبالتالي فهو يحسن ويسيء بين الحالين..
    إلا أن في صدري شيء من التسليم بذلك تماما ، حيث من النوابغ من قد يدخل في دائرة الأعراف كنتيجة نهائية لمجهوده الفكري المؤمن وشططه الفكري والسلوكي أحيانا، مثلما فتن بعض المبدعين من الفلاسفة والعلماء في سعة أعمالهم الفكرية حتى وصلوا إلى إعمال العقل في مسلمات غيبية


    بالمناسبة،
    (Node)
    تعني في الطب العقدة التي تتفرع إليها ومنها الأوعية والأنسجة، وفي علم النبات هي ملتقى الغصينات الصغيرة وهي بالتالي مسمى متوافق مع مفهوم
    (Mind Mapping)

    ReplyDelete
    Replies
    1. شكراً د. عدنان على مرورك ففيه الكثير من الإثراء،

      إن التسليم بالمسائل الغيبية أعاد لي مسألة كنت قد ناقشتها مع طالب ألماني بروتستانتي كان يدرس تخصص دراسات الأديان السماوية، وهو قارئ في الفلسفة، أذكر تماما كيف أن بداية النقاش كان مسألة "الذبح الحلال" فدار نقاش بسيط كل منا أدلى دلوه فيه، إلى أن وصل بأفكاره إلى درجة التشكيك في أن الذات الإلهية لم تصنع كونا مناسبا للعيش في --هو من قال ذلك، وأنا أدرك أنه كفر بواح-- فما كان مني إلا أن قلت له "من المهم أن نفكر وأن نسأل عن جدوى الأشياء ونتخيل ونجادل، ولكن الحمدلله -وقلتها بالعربية- أن الله قد وضع لنا حدودا لمثل هذا التفكير، فنحن نسلم بمسألة بداية الكون ونهايته، كما أننا نسلم بوجود الآخرة والحساب، ونسلم بوجود الله" ثم أضفت، "لو كنت تشكك وتدعي أن الكون الذي نعيش فيه غير متزن وتعيد السبب للخالق، فلم لا تنهي حياتك الآن لعلك تجد إلها آخر وعالما آخر أفضل مما نحن فيه؟"
      صمت ثم ابتسم، فأردفت قائلة: "لو لم يكن هناك تسليم بهذه المسائل، لجن جنوننا ولما عرفنا كيف نصل للحقيقة، ولضاع عمرنا وتهنا في دوائر لا نهاية لها، ليس هذا فحسب، إن التسليم نعمة من الله، لأنه بذلك فرغ عقولنا للتركيز في تعمير الأرض بالمعرفة" أجاب "ربما"

      لماذا أذكر هذا الموقف الآن، لأقول لك بأنني أوافق، الإلحاد مشكلة إذا لم يثبت الإنسان عقيدته ومعرفته بدينه قبل الخوض في هذا النوع من القراءات.

      حول اختيار مصطلح الأعراف -لأكون صادقة خطر في بالي اسم لحظة تحليل الفكرة، ولكن مائن إن وصلت إلى تصنيف الأغلبية العظمى لم أعرف أي اختفت الكلمة!- شخصيا أرى ضعفا فيه، ولكنه الاختيار الأفضل إلى أن أسترجع المصطلح الأدق.

      أما بالنسبة إلى النوابغ ودخوله لدائرة الأعراف - فعلي أن أؤكد على أمر، إن ما كتبته في هذه التدوينة يشرح حالة مجتمع إنساني، بمعنى لا يمكنني أن أحدد أن فلانا نابغة، أو مجنون، أو إمعة، أو من الأعراف، لسبب بسيط -وهو أن شخصية الإنسان تعتبر حالة متغيرة باستمرار ، ولهذا أخبرنا الحبيب المصطفى "إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء"
      فما سبق هو تحليل مجتمعي وأفضل عدم قياس أفراد بناءا عليه، لأنه سيدخلنا في دوامة من يقيس ماذا، ولماذا هو على صواب إلى آخره.

      أمر أخير، أدرك أنك تخصص التقديس للوحي في الفكرة التي عرضتها، ولكنني في التدوينة أقصد بها "فعل التبجيل الذي يحتمل تبجيل الأفراد، الآراء أو الأشياء."

      **
      شكرا على ترجمة الكلمة، فعلا شعار التطبيق غصينات

      مرة أخرى أشكرك لإثراء النقاش

      Delete
    2. "إن التسليم نعمة من الله، لأنه بذلك فرغ عقولنا للتركيز في تعمير الأرض بالمعرفة"
      هذه الجملة فيها كثير من الصلابة والبساطة من جهة والطمأنينة والثقة من جهة أخرى.. ولا شك أنها مفحمة للباحث المنصف عن الحقيقة..
      ولعلها تجيب عن سبب نزوحي لقدسية الوحي رغم أن الحديث فعلا كان يدور حول تقديس ما لا يقدس.. ذلك أن التقديس حاجة فطرية في نفس الإنسان.. فمن لم يصل بفكره إلى المقدس الحقيقي فهو أما أن يلجأ إلى الاستسلام الفكري فيقدس ما بلغ إليه عقله التائه من أناسي ومخلوقات أو أنه يلجأ إلى الاستسلام الجسدي فيأخذ بنصيحتك أعلاه :)

      Delete
  2. السلام عليكم دكتورة

    أعرف بأن تعليقي على هذه التدوينة المتميزة يأتي متأخرا بعض الشيء .. إلا أني أردت أن أشير إلى أمر مهم في تقديري يتعلق بموضوع التدوينة وهو بإختصار علاقة الإنسان بمكانة الآخر.

    بمعنى أن مكانة الآخر سواءا كانت مادية أو معنوية أو روحية تجعل علاقتنا به على درجة معينة من التقدير أو التقديس.

    فالنابغ روحياً تجده على درجة أكبر من التقديس لكل ما هو روحي و هو مع ذلك يقدر المادي و يحترمه.

    فتقديس كلام و أفعال رسول من رسل الله أمر عادي بل و مطلوب لكل من آمن. و كذلك إعتبار أولياء الله على درجة من القداسة و الصديقية أمر لا يقوم به من يعتبر العالم المادي فقط.

    الإنسان في بحث دائم عن الإنسان المثالي الذي يطمح إليه. و لما يجد الفرد بطله فهو لا يملك إلا أن يفقد أمامه أدوات النقد فيقدم التقديس على التقدير.

    هذا ما يفعله المؤمن برسل ربه. و كذلك يفعل المادي أمام فلاسفة مادته ...

    فهوية الآخر تلعب دوراً مهماً في تحديد مستوى تقديسنا أو تقديرنا له.

    أرجو أن تكون الفكرة واضحة
    و شكراً مرة أخرى على المجهود و الكتابة فنحن بحاجة إليها

    ReplyDelete