ككل أطفال العالم ، كانت تستهويني فكرة الدراجات الهوائية، فعندما كنت صغيرة، اشترت لي جدتي هذا النوع من الدراجات من الميناء - أغلب المحلات التجارية كانت في ميناء أبوظبي ربما لأن الواردات تصل هناك ولا تكلفة عالية لشحنها
وغيره ، أقول ربما!
أذكر أنني كنت أضع ألعابي خلفي و أتنقل بهم في باحة المنزل - مصدر الصورة |
كان أخي الكبير يبني جسرا خشبيا غير مكتمل بقطعة خشب عرضها يكفي عرض الدراجة ذات الثلاث عجلات، تكون بداية القطعة موازية لارتفاع الطريق بينما نهايتها مرتفعة قليلاً حسب ارتفاع ما يسنده عليها، الهدف؟ ببساطة لأطيييييير!! وأنا صغيرة كنت فعلا أعتقد أن أخي يطيرني!! وكنت أستمتع بهذا "الطيران!" وبالمناسبة، من أهم ما كنت أطلبه في هذه الدراجة هي الوريقات المتطايرة من القبضتين، وأذكر تماماً أن ألوان وريقات دراجتي كانت أحمر وأبيض وأصفر وأزرق.
مع مرور الوقت، واكتشاف العالم الخارجي -وأعني بذلك الفريج ومن يسير في طرقاته- تطورت مطالبي، لأنني بدأت أرى أن الأطفال من حولي يمتلكون دراجات هوائية يتنقولن بها بين البيوت، حتى بيت خالتي، كانت كل بنت لها دراجتها الهوائية الخاصة، كما كان يصل إلى مسمعي "سيكل خان" لا أعرف من هو خان ولكنني كنت متأكدة دائما، أنه رجل أكبر حجما من رجال الحي مجتمعين! أجل أعرف كذلك أن خان هذا لا بد أن يكون "بتّاني" أي من باكستان أو أفغانستان، صورته في ذهني دائما "الضخم!" والذي كان أكبر من الحجم الطبيعي --بالنسبة لحجمي ذلك الوقت!-- ، لا أعرف من خان هذا، ولم أهتم به فكل ما كان يستحوذ على عقلي الصغير هو أنني أنا كذلك "أريد" دراجة هوائية، ووصلني شيء كهذا:
كانت ألوان دراجتي أكثر هدوءا ولكنني لا أذكرها الآن -.- مصدر الصورة |
هذه الدراجة الهوائية لها عجلتي تمرين التوازن مرتبطتان بالعجلة الخلفية كما هو موضح في الصورة، لم أكن أفهم هذا الكلام مطلقاً، فلقد كنت مستمتعة جدا بها! إلى أن جاءني أحد إخوتي وقال "أنت لا تعرفين قيادة الدراجة الهواية! أستطيع أن أعلمك بسرعة!" بالطبع كان هناك الكثير من الأخذ والرد في الموضوع فهو لم يكن يقول ما يريده مباشرة، بل عادة ما يبدأ الحديث معي بنوع من الاستفزاز والمشاكسة، المهم أنني في النهاية وافقت ، لأن فكرة تعليمي كانت فكرة مغرية، إلا أنه أخذ الدراجة الهوائية إلى الممر الخلفي من البيت حيث مستودع الأدوات البحرية وأغراض أخرى ، أخرج "السبانه" أي مفتاح البراغي، وفتح إحدى العجلات الصغيرة، ورماها بعيداً، فصرخت "لقد كسرتها!!" فرد بهدوء : "أتسمين هذه سيكل؟! جربيه الآن!" فوجئت لأنني شعرت أنني سأسقط، لم أفهم ، ولكن أخي تركني مع الدراجة هكذا، فقضيت وقتي كله وأنا أحاول، كنت أستطيع السير إلى الأمام ، والإلتفاف إلى اليسار، ولكنني لم أتجرأ على الإلتفات يمينا لأن العجلة الصغيرة اليمنى غير موجودة، ومع مرور الوقت اعتدت على ذلك، فذهبت إلى أخي وطلبت منه أن يقتلع العجلة الأخرى!
أول درس للتوازن على دراجة هوائية كان بفصل إحدى هذه العجلات الصغيرة - مصدر الصورة |
كنت أشعر بإنجاز خيالي، ثقتي بنفسي ارتفعت إلى أبعد الحدود، لقد أصبحت أكثر استقلالية، وسريعة في تنقلاتي بين بيوت الجيران، ولكن البعبع ظهر لي عندما سمعت الأولاد في الحي يتحدثون عن "سيكل خان" مرة أخرى، "خان" هذا يعكر لي صفو التجوال في الحي وقت الظهيرة، خاصة عندما أرى تلك الدراجة الهوائية السوداء بالقرب من مسجد الحي، يقولون أنها "سيكل خان"، كان علينا أن نتوخى الحذر من "خان" -الذي لم أره يوما، كنت أرى أثره فحسب، أي "سيكل خان!" وعادة ما يحاول الأولاد في الحي جاهدين ركوب هذه الدراجة الضخمة، وفي كل المحاولات اليائسة، التي كنت أراقبها من بعيد، كانت تنتهي بفشل ذريع لأن صرخة التحذير المدوية "خان يااااااي!" (أي قادم) كانت تجعلنا جميعا نتلاشى من المكان، ونهرب دون أن نتجرأ على الإلتفات لرؤية المدعو "خان " هذا!
صورة قريبة لـ "سيكل خان" -مصدر الصورةء |
بدأت أنتبه إلى أن "سيكل خان" موجود في كل الأماكن التي أحبها! بالقرب من دكان عباس (وهي بقالة قديمة في الفريج) ، ومسجد الحي، وكانت الطامة عندما وجدت "سيكل خان" مركون داخل حوش البيت، وتحديدا، عند جدار المطبخ الخارجي، دب الخوف فيّ، وارتعدت فرائصي، تسلقت شجرة الهمبا (المانجو) وقبعت هناك أنتظر خروج المدعو "خان"، غير أن هذا لم يحدث! بل سمعت صراخ جدتي علي، فوقت القائلة، من الأوقات المحضورة علي أن أخرج فيها، نزلت بسرعة ودخلت البيت، التهيت في المنزل ونسيت "خان" و"سيكله!" وقت العصر، اختفى السيكل!
أين خان هذا؟
لا أثر له، مرت الأعوام، ولم أر خان، ونسيته، وبدأت أشتري كتبا ومجلات من "راعي الجرايد" الذي يأتي إلى الحي وقت الظهيرة، أي وقت القائلة المحرم ، ولكن! كنت أخرج عندما أسمع جرس الدراجة الهوائية لبائع الجرائد، كان هذا البائع هنديا ضئييييلا جدا قد أكله الوهن، والعرق يتصبب من جبينه دون توقف، وكان على حقيبة الجرائد والمجلات -وأحيانا الكتب والقصص- شعار جريدة الاتحاد، وشعار مجلة زهرة الخليج -وأعتقد إذا لم تخني الذاكرة- شعار مجلة ماجد.
اليوم فقط، أتسائل مرة أخرى من هو خان، الذي إن قلت لأحدهم في الإمارات "أتعرف سيكل خان" سيجيبك على الفور "بنعم" ولكنه بالتأكيد سيجيبك "بلا" إن سألته من هو خان هذا! هل يمكن لنا اعتبار "سيكل خان" صورة ذهنية، طبعت في عقولنا منذ الصغر، فعرفنا أن علينا أن "نخشى" مِن خان ؟ لماذا ؟ هل يمكننا اليوم وصف خان بالإرهابي ؟ أم يكن خان هذا يرهبنا؟ لحظة! تذكرت أمرا، كل الأشخاص الذين انتبهت إليهم وهم يقودون "سيكل خان" هم من الجنسية الهندية أو البنغالية، وفي معظمهم صغار الحجم، هل يمكننا إطلاق اسم "خان" عليهم؟ كيف لنا أن نسمع عن شيء ونصدقه دون رؤيته ؟ كيف لنا أن نصدق شيئا ونحن نرى أن المخلوق الذي يستخدمه ليس هو ذاته من يسكن في أذهاننا ونصر على استخدام ذات الوصف له؟
والآن، هل كل أطفال العالم تستهويهم فكرة ركوب دراجة هوائية؟ وهل ركبت أنا "سيكل خان"؟ حاولت ولكنني فشلت لأنني صغيرة الحجم والدراجة كبيرة وثقيلة علي ---فصاحبها خان!!!
No comments:
Post a Comment